علاء لازم العيسى المدير العام للمنتدى
المساهمات : 145 تاريخ التسجيل : 27/02/2013 العمر : 65
| موضوع: البــريد في عهد الدولة العبّاسيّـة الإثنين مارس 11, 2013 3:02 am | |
| لقد ارتفع شأن البريــد وعلت مكانته في عهد الدولة العباسية , بحيث أصبح صاحب البريد يمثل سلطة رقابية على تصرف أصحاب المناصب الرفيعة في الدولة ورجال البلاط . وليس أدل على ذلك من مقولة أبي جعفر المنصور حين قال : (( ماأحوجني أن يكون على بابي أربعة نفر لا يكون على بابي أعف منهم , وهم أركان الدولة ولا يصلح الملك إلا بهم , أما أحدهم فقاض لا تأخذه في الله لومة لائم , والآخر صاحب شرطة ينصف الضعيف من القوي , والثالث صاحب خراج يستقصي ولا يظلم الرعية , ثم عض المنصور على إصبعه السبابة ثلاث مرات وهو يقول في كل مرة .آه,آه.قيل ما هو يا أمير المؤمنين ,قال : صاحب بريد يكتب خبر هــؤلاء على الصحة » . و في عهد الدولة العباسية بلغ الإهتمام بالطرق التي تصل بين أرجاء الجزيرة العربية شأوً بعيداً , و نستشف ذلك من جهودهم التي بذلوها في هذا المضمار :فأول خلفاء بني العباس أبو العباس السفاح أمر بإقامة الأميال على الطرق , وهي أحجار تحدد عليها المسافة . وقد نال الطريق من الكوفة إلى مكة النصيب الأفر في هذا , حيث أمر السفاح سنة 134هـ /751 م بضرب المنارات والاميال من الكوفة إلى مكة . وفي حديثه عن البريد الإسلامي يقول آدم ميتز :« وكان الخلفاء يقيسون المسافات بالأميال غربي الفرات أما في شرقيه فبالفراسخ ,ولم يكن عند العرب ما يسمون به علامات المسافات إلا كلمة (ميل),أما في شطري الدولة الإسلامة فكانت توجد محطات للبريد تسمى السكك وهي مزودة بالخيل و الراكبين » حيث التبادل على مسافات معينة كل ثلاثة أميال أو فرسخين , و يدل على ذلك ما حكاه الصولي في كتابه ( الأوراق ) عن رجل يعرف بالخليجي كان يحمل الخريطة من مكة إلى بغداد و يسبق بأخبار الحج , أي أنه كان يقطع المسافة كلها .و كان بين المغرب والمشرق شبه تبادل دولي في البريد,فكان بريد الترك يصل إلى يوشجان الأعلى وهو حد الصين , وكان بريد آسيا الصغرى يواصل الرحلة إلى القسطنطينية , وكان لهذا البريد سكة كل ثلاثة أميال )) . و في عام 166هـ أمر المهدي بإقامة البريد بين مكة والمدينة واليمن وذلك لأول مرة , ولم يسبقه أحد من الخلفاء لهذا العمل , وقد استخدمت الجمال و البغال لهذا الغرض , مما كن له الأثر الكبير في ربط الحكومة المركزية في بغداد بجميع أنحاء الجزيرة العربية عبر طرق مواصلات راقية التنظيم . و يقال أن البريد كان يصل إلى الخليفة هارون الرشيد بواسطةالنجائب خلال ثمانية أيام ,وعلى أجنحة الحمام خلال يوم واحد حينما اتخذ طريقه لأداء فريضة الحج مشياً على الأقدام برا بقسم كان قد أقسمه على نفسه ( الراشد 1414 :342 ). وقد عثر في المملكة العربية السعودية على عدد من الأحجار الميلية , بعضها يوضح المسافة بحساب البريد .وتشير الدراسة التي أعدت عن هذه الأحجار إلى أن « أحجار المسافة المكتوبة بقياس الميل استخدمت في بداية العصر العباسي , في عهد الخليفتين أبي العباس السفاح والمنصور , أما أحجار المسافة التي توضح المسافة بقياس البريد فتعود إلى النصف الثاني من القرن الثاني الهجري , ولا يستبعد أن تكون أميال البريد قد استفاد منها عمال بريد الدولة الإسلامية فضلاً عن الحجاج وغيرهم من المسافرين .ويتضح من أحجار المسافة المنقوشة بقياس البريد انها كانت توضع على رأس كل بريد , وتقسم المسافة بين وآخر بالأميال , بحيث تكون المسافة بين كل بريدين 12 ميلاً » ( الراشد 1414 :338 ). و لم يكن طريق الكو فة – مكة المكرمة الطريق الوحيد الذي برز من خلاله دور البريد في العالم الإسلامي إبان ازدهار ونهضته .فهناك طرق بريدية اخرى , منها الطريق من بغداد إلى الموصل الذي يخترق ما بين النهرين إلى سنجار ونصيبين ورأس العين والرقة , ومنبج , وحلب , وحماة , وحمص , وبعلبك , ودمشق , وطبرية , والرملة , وغزة , والقاهرة , والإسكندرية , ومن ثم إلى القيروان ويتفرع منه طريق آخر يتخذ وجهة الجنوب عند بادية الشام ليحمل برد هذه المدن إلى الجزيرة بمدنها وبقاعها وبخاصة مكة والمدينة .ثم الطريق من بغداد إلى الشام الذي يسير مع الضفة الغربية للفرات ماراً بالأنبار , وكانت حركة المرور في هذا الطريق عظيمة , ففي عام 306 هـ / 918 م كان ارتفاع خراج المرور عند هيت , وهي نقطة عبور على الطريق , (080 .250) دينار . و يمكن الوصول إلى نتيجة مهمة مفادها أن الطريق المعبدة الآمنة تعني بريداً جيداً منتظماً , وأن الطرق الوعرة الخطرة تحول دون وجود خطوط بريدية منتظمة وجيدة , ويصبح البريد نوعاً من المخاطر .ولقد لعبت القوافل دوراً عظيماً في نقل البريد نوعاً وبخاصة الشخصي منه دون إلزام والتزام, اللهم إلا عامل النية الطيبة الخالصة وحمل الأمانة .وكان البريد الشخصي الذي تقوم قوافل الحج والسفر بنقله يؤدي هو الآخر مهمات قريبة من تلك التي يؤديها البريد الرسمي عبر العصور الإسلامية . | |
|