الإحتــــلال البريطاني للبصــرة سنة 1914م

بعــــد وصول اللواء السادس عشر التابع للفرقة السادسة الهندية الى البحرين في ( 23 / 10 / 1914 ) والتي اخذت بعد وصولها تتدرب على الانزال ، و بعـــد برقية وزير الهند الى قائد الحركات الجنرال ديلامين في الاول من تشرين الثاني ، يعلمه فيها سريا باعلان الحرب على الدولة العثمانية قبل اعلانها رسميا . عقـدت القيادة البريطانيـة اجتماعا على ظهـر السفينة ( فاريلا ) من اجل وضع خطة تفصيلية للانـزال في الفاو .
قـرر الجنرال ديلامين ان يكون الانزال جنوب الفاو ، و في الساعة السادسة من صباح السادس من تشرين الثاني سنة 1914 قامت القوات البريطانية بعملية انزال قرب محطة البرق ، بعـد ان مهد لها بقصف مدفعي من المنور ( اودن ) اسكتت المدافع العثمانية القديمة التي لم يتجاوز عددها اربعة مدافع ، وخربت الاستحكامات ، وتشتت شمل الحامية المؤلفة من فوج لا تتجاوز قــو ته ( 400 ) اربعمائة بندقية ، حيث انسحب الجنود العثمانيون الى الفاو ، واستمر الزحف البريطاني حتى الليل حيث تمت السيطرة على القلعة دون مقاومة ، والقيت المدافع العثمانية الاربعة في شط العرب ، وتحققت الهيمنة البريطانية على مدخل الشط . وفي نفس اليوم تحركـت السفينة ( اسبيكل ) بتنسيق مساند للزحف باتجاه عبـادان ، فلما استقبلها العثمانيـون بنار شديـدة ، ردت عليهم ( اسبيكل ) بنار اشد اسكتت فيها النار العثمانية . جرت هذه الاحداث والقيادة العثمانية في البصرة لا تعلم شيئا عن تفاصيا العمليات ، بسبب قيام مفرزة بريطانية بقطع خط البرق العثماني بين البصرة والفاو قبل بدا الانزال .
وفي العاشر من الشهر نفسه اكملت القوات البريطانية انزال اللواء ( 16 ) في منطقة ( السنية ) مقابل عبادان ومصب الكارون ، وبعد اربعة ايام ازدادت القوة البريطانية الى الضعف حيث وصل اللواء ( 18 ) كما وصل قائد الفـرقة السادسة الجنرال ( آرثر باريت ) لقيادة القوة ومعه امر بتعيين مدينة البصرة هدفا لقواته . فتقدم البريطانيون شمالا الى محاذاة مصب الكارون حيث امنوا الاتصال بالمحمرة وحليفهم الشيخ خزعل شيخ المحمرة .
وفي ( 17 / تشرين ) هجم اللواءان ( 16 ) و (18 ) ، بقوة ( 24 ) مدفعا و ( 9000 ) بندقية على الخط الدفاعي الذي اسسه العثمانيون في منطقة كوت الزين ( الساحل ) ، وبعد بضع ساعات اضطرت القوة العثمانية للتراجع . ونتيجة لفشل القوات العثمانية في ايقاف زحف المحتل صدر امر الجلاء عن البصرة ليلة ( 19 / 20 ) تشرين الثاني ، وشرع بالانسحاب صباحا نحو القرنة والخميسية .
وصلت السفن البريطانية البصرة يوم ( 21 ) بعد ان اجتازت بسهولة الحواجز التي وضعها العثمانيون لسد شط العرب عند النهاية الشمالية لجزيرة ام الرصاص قرب البلجانية ، والمؤلفة من اربع سفن اغـرقها العثمانيون . و في الثاني من تشرين الثاني ، الموافـق الثاني من شهر محرم الحرام ، تم احتلال مركز المدينة ، واسند منصب الحاكم العسكري للبصرة للرائد دارسي براو نلو ( Brownlow ) بامر الجنرال باريت . وفي الثالث والعشرين وصل باريت على رأس قواته ومعه مستشاره السياسي برسي كوكس ، وجرى احتفال رفع العلم البريطاني على سراي الحكومة . ثم قرأ السير كوكس بيان احتلال الـبصرة بالعربية على وجهائها وهـذا هو نص البيان كـما اذ يـع :

بيانات قائد فـيلق د ولة بريطانيا العـظمى المحـتل للبصرة الى اشراف البصرة وعـموم اهاليها الكرام

فـليكن معلوما لدى العموم ان د ولة بريطانيا العظمى من القـد يم لها تبعة من المسلمين ملايين عـديدة ازيد من تبعة الد ول الاخـرى ، حتى وازيد من المسلمين الذين من تبعة الحكومة العثمانية . وكما هـو معلوم لدى الخاص والعام ان د ولة انكلترا المعـظمة كانت بالسابق محـبة وصد يقة الى الحكومة العثمانية ؛ ولكن من ا شهـر قلائل عـند ما اعـلن الحـرب فـيما بين بعـض مـن د ول اوروبا ، وحكومة بريطانيا اخـبرت عـلى الباب العالي لكي لا تتدخـل تــركـيا في المحاربة الحاضرة ، لانه ما يوافـق ذلك لمصالح العثمانيين و بهـذه المناسبة فـقـد اكـد ت لها انه اذا ما تتداخل تـركيا في هـذه المحاربة ، فان د ولة بريطانيا العظمى مع اصدقائها المتحاربين مــن الد ول يتعهد ون لها في بقاء ا ستقلالها وسلامتها ، ولكن مع الاسف الحكومة العثمانية ما التفـتت ولا اصغـت الى نصائح د ولة بريطانيا العظمى بهذا الخـصوص ، حـيث انها كانت قـد انخـدعـت بـــواسطة حـيل ود سائس المانيا حـتى ظهرت منها حـركات المخاصمة العديدة ، التي اجـــبرت د ولة بريطانيا العظمى لتكـــون معها بحالــــة الحرب . اما الآن فان د ولة بريطانيا العظمى قد استولت على البصرة تماما ، ولو انه يوجـد محاربة مع الحكومة العثمانية ، ولكن ما لنا اد نى خصومة ولا سوء قـصد نحو الاهالي الكرام ابدا ، وان شاء الله سنكون اصحابهـم الحـقيقيين ومحاميهم لاجل محافـظة مصالحهم الآن ، وما بقي اثر للحكومة العثمانية بهـذه الاطراف ابـدا . وعـوضها فـقـد تاسس بيرق د ولة بـريطانيا العـظمى ، التي انتم بقـيتم تحـت لوائها تتمتعون في بحابح الحـرية والعــدالة في اموركم الـد ينية والعلمانية . والآن فـقـد اعـطيت امــرا شـد يدا الى جـنودي المظفـرة لكي يعاملوا الاهالي عـلى وجه العـموم بغاية الاحـترام والصداقة في اداء وظائفـهم المفـروضة عـليهم فعليكم ان تعاملوهـم بالمثل . وبالنهايـة لكم الحرية التامة للمعاطاة باشغالكم حـسب العادة واجـراء وظائفـكم الاعـتياد ية كما في السابق . ولي امل وطيد على ان تجارة البصرة ستداوم كما في السابق وازيد . ( انتهـى )
و بعد الانتهاء من البصرة قرر باريت قائد الحملة التقدم نحو القـرنة بحجة ترصين المو قــف وحماية البصرة ، وعلى اثرها احتل اللواء فري قرية ( مزيرعة ) في ( 7 / كانون الاول ) واتخذ التدابير لتحرك اليوم الثاني والذي تحدد في انشاء جسر على نهر دجلة بغية العبور الى الضفة اليمنى منه للقيام بعملية تطويق للقوة العثمانية في القرنة . وفعلا نصب الجسر وعبرت اول قوة بقيادة المقدم ( فريـزر ) في حدود الساعة الواحدة والثلث ظهرا ، وحينما اقتربت القوة العابرة من التحصينات العثمانية كان الوقت متاخرا ، لذا قرر فريزر التريث حتى اليوم التالي . وبدلا من ان يقوم القائد التركي صبحي بك بهجوم معاكس لحصر القوة البريطانية سارع الى الانسحاب شمالا ، ثم ارسل وفدا للتفاوض مع البريطانيين حول التسليم ، وبعد الاجتماع مع البريطانيين في ( مزيرعة ) تم الاتفاق في الساعة الثالثة والنصف من صباح اليوم التاسع من شهـر كانون الاول سنة 1914 على التسليم بدون قيد او شرط ، وفي الساعة الواحـدة والنصف من بعـد ظهـر اليوم نفسه ، وبحضور اللواء فـري وسير برسي كوكس ، سلم صبحي بك القائـد التركي و قـو ته البالغة ( 45 ) ضابطا و ( 998 ) جنديا القـرنة بـدون قتال ، ثم سيق أسيرا الى الهند حـيث اعـتقـل مع بقية جنوده ، و تـــو في هناك .

عــــــــلاء لازم العيسى / مستل من كتا بـــي (( المجمل في تاريـــخ البصـــرة ))