(أبو الهُذيل العلاف)

(أبو الهُذيل العلاف)
هو أبو الهُذيل محمد بن الهُذيل العبدي، وكان مولى لعبد القيس. ولد بالبصرة سنة 135هـ، ولـُقِّب بالعَلاف، لأن داره كانت في حي العَلافين. دخل بغداد سنة 203هـ، وأخذ العلم عن أبي عَمْرٍو عثمان بن خالد الطويل.
قال أبو الحسن الخياط في كتابه طبقات المعتزلة: "وطالع كثيرا من كتب الفلاسفة وخلط كلامهم بكلام المعتزلة".
قال القاضي عبد الجبار: ومناظرات العَلاف مع الفرق الأخرى كثيرة ومشهورة، ولا سـِيما مع المجوس والثنوية والمانوية. لقد أسلم على يديه أكثر من ثلاثة آلاف رجل.
من محاسنه أنه أتاه رجل فقال له: أشكلَ عليَّ أشياءٌ من القران، فقصدت هذا البلد، فلم أجد عند أحد ممن سألته لما أردته. فلما خرجت في هذا الوقت قال لي قائل: إن بغيتك عند هذا الرجل، فاتقِ الله وأفدني.
فقال أبو الهُذيل: ماذا أشكل عليك؟
قال: آياتٌ من القران توهمني أنها متناقضة، وآياتٌ أنها منحولة.
قال: فماذا أحبُّ إليك؟ أجيبك بالجملة، أو تسألني عن آية آية؟
قال: بل تجيبني بالجملة.
قال أبو الهُذيل: هل تعلم إن محمداً (ص) كان من أواسط العرب، وغير مطعون عليه في لغته، وأنه كان عند قومه من أعقل العرب فلم يكن مطعونا عليه؟
قال: اللهم نعم.
قال أبو الهُذيل: هل تعلم أن العرب كانوا أهل جدل؟
قال: اللهم نعم.
قال: هل اجتهدوا في تكذيبهِ؟
قال: اللهم نعم.
قال: فهل تعلم إنهم عابوا عليه بالمناقضة أو اللحن؟
قال: اللهم لا.
قال أبو الهُذيل: أفتدع قولهم على علمهم باللغة، وتأخذ قول رجل من الأوساط.
قال: فأشهـَدُ أن لا اله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
قال: كفاني هذا، وانصرف وتفقه في الدين.
كان يساعده على الإنتصار في المناظرة، قدرته العظيمة على الاستشهاد بالشعر. قال المبرد في الكامل: ما رأيت أفصح من أبي الهُذيل والجاحظ! وكان أبو الهُذيل أحسن مناظرة. قال: شَـهـِدتهُ في مجلس وقد استـَشهـَدَ في جملة كلامه بثلاثمائة بيت.
قال ثمامة: وصفت أبا الهُذيل للمأمون، فلما دخل عليه جعل المأمون يقول لي: يا أبا معن، وأبو هُذيل يقول لي: يا ثمامة، فكدت اتقد غيظا. فلما احتفل المجلس استـُشهـِد في عرض كلامه بسبعمائة بيت. قلت: إن شئت فكنني، وإن شئت فسمني.
حكا يحيى بن بشر الأرجاني عن نظام فقال: ما أشفقت على أبي الهُذيل قط في استشهاد بشعر، إلا يوم قال له الملقب بـ (برغوث): أسالك عن مسالة؟ فرفع أبو الهُذيل نفسه عن مكالمته.
فقال برغوث:
وما بقيا علي تركتماني ولكن خفتما صرد النبال
ولم أعرف في نقيضه بيتا يتمثل بهِ.
فبرز أبو الهُذيل وقال: لا، بل كما قال الشاعر:
وأرفعُ نفسي عن بجيلةَ إنني أذل بـِها عند الكلام وتشرف
توفي العلاف في أول أيام المتوكل سنة 235هـ، وعـُمُرهُ مائة سنة، كما قال الشريف المرتضى في أماليه.

ولم تعرف للعلاف تآليف، إلا ما ذكر أبن النديم في الفهرست، وهو (متشابه القرآن) وما ذكره أبن خلكان، في وفيات الأعيان وهو (ميلاس). وما ذكره عبد القاهر البغدادي، في الفـَرْق بين الفِرَق وهما (الحجج) و(القوالب).
أما آراء العلاف، فقد ذكر الشهرستاني في الملل والنحل، أطرافاً منها، خالف المعتزلة في بعضها، وهي مسائل تتصل بالإلاهيات والأخلاق والإستطاعة. فأثبت أن لله صفات هي عين ذاته كباقي المعتزلة. وقال كالمعتزلة بالإرادة الحرة، للإنسان وخالفهم، بأن أفعاله في الآخرة إجبارية، لأن الإختيار يقتضي التكليف، ولا تكليف في الآخرة.
قال: "إن حركات أهل الجنة والنار تنقطع، وإنهم يصيرون إلى سكون دائم خمودا، وتجتمع اللذات في ذلك السكون لأهل الجنة، وتجتمع الآلام في ذلك السكون لأهل النار". وهذا قريب من مذهب جهم بن صفوان القائل بفناء الجنة والنار.
وقال: "يجب على الإنسان معرفة الله ومبادئ الأخلاق بعقله قبل ورود الشرع، وأن يعرف الحسن والقبيح بفطرته. فالإنسان عنده مكلف قبل ورود الشرع".
قيل: وعلى هذا، أبو حنيفة. وفسر الرسول في قوله تعالى ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) بالعقل.