العلّامــة الســو يـدي في البصــرة

لم تكن سنة ( 1772م / 1186هـ ) سنة خيــر على العراقيين ، فقد إنتشر الطاعون في أكثر مدنها وقصباتها إذا لم يكن في كلّـها . ومن ضمنها مدينة بغداد ، مما أدى إلى نزوح أكثر إهلها ومنهم العلامة السويدي . وصل العلامة الفقيه والمؤرخ السيد عبدالرحمن ابن عبد الله السويدي العباسي البغدادي ، وهو في الثانية والخمسين من عمره ، مع عياله البصرة هربا من الطاعون ، و قـد استقبل استقبالا حسنا ، واشتغل بإلقاء الدروس في بعض مساجدها ، فما لبث أن داهم البصرة الطاعون مما حدا بالشخ للهـروب إلى الكــو يت ، ثم رجع الى البصرة مرة ثانية بعد ان ارتفع الطاعون ، وعاد بعدها الى مسقط راسه بغداد . و قد وثّق رحلته بكتاب طبع بعد وفاته ، ملئ بالملاحظات المفيدة للباحثين عن تاريخ البصرة في ذلك العهد ، مثال ذلك وصفه الحركة العلمية فيها بقوله : (( ولما عم الطاعون في بغداد كل نادي ، وملات اعوانه الصحاري والبوادي ، خرجنا معاشر آل السويدي من بغداد ، وخرج معنا وبعدنا من الناس كثيرون ، وخرج ايضا بعدنا العلامة الشيخ صبغة اللّه الكردي رحمه اللّه بعياله واتباعه . وكان والي بغداد يومئذ عمر باشا يغضب على من يـريد الخروج من بغداد ، وكانت الناس لا تطيعه في ذلك . وكانـوا يهربون من الوحشة التي وقعت في البلد مع علمهم ان الاجل بيد اللّه ، والخروج لا يدفع ما قدره اللّه . وكان خـروجي اولا الى قصبة سيدنا الحسين ( يقصد كربلاء ) بعيالي جميعهم ، ولما وقع فيها الطاعون انتقلت الى الحلة ، ولما و قــع فيها الطاعــون وضعت عيالي في سفينة وانحدرت الى البصرة و قد كنت قبل هذا اتمنى رؤية البصرة لعلمي انها كانت دار حديث ، و قصدا للتبرك بمواضع اقدام اولئك الاجلاء فدخلتها واستقبلني من اهلها العلماء العاملون ، والرؤساء الفاضلون ، وانزلـو ني في المنزل الرحب ، وشرعوا في اكرامي . وقد كنت افلس من ابن يــوم ، ومن حجّام ساباط بين القوم ، فلم يمض لي فيها نحو ستة ايام حتى صرت في حال اهل الرفاهية في ماكول طيّب ، ومشروب طيّب ، وملبوس فاخر ، ومركوب زاهي زاهر ، وكيس ملآن ، وجوار وغلمان . ورايت فيها الدين ظاهرا ، والاسلام باهرا ، ورايت فيها من العلماء جما غفيرا ، ومن الصلحاء جمعا كثيرا ، ورايت علماءها جل اشتغالهم في النقول ، من نحو وصرف و بيان وفقه وحديث واصول . ورايت فيها من حفظ الكنز والهاملية وسائر المنظومات الشرعية ، فاعجبني اشتغالهم وتانست بهم وتانسوا بي . وسالني طلبتهم الدرس ، فعـقدت لهم درسا صباحا في سائر الفنون ، وشرعت في قراءة حديث البخاري في مسجد القبلة عصرا وكان المستمعون للحديث الفا او يزيدون !! )) كما ذكر اسماء بعض محلاتها ومعالمها مثل محلة القبلة ، و قرية السراجي ، و قهــوة التجار ، والمنّاوي ، و قلعة القـرنة ، والسو يب ؛ بالاضافة الى معاصرته لحصار الزندي للبصرة واحتلالها . شغل منصب القضاء فيها حتى عزل بإرادته سنة 1774م ورجع إلى بغداد ، نصب بدله الشيخ عبدالفتاح من اهالي كركـوك . تـو في سنة 1786م الموافـقة 1200هـ وخلف أكثر من مؤلف بين مخطوط ومطبوع منها : تاريخ بغداد المسمى حـد يقة الزوراء في سيرة الــوزراء، وحاشية على تشريح الأملا ك في شرح الأفلا ك .

عــــــــــــلاء لازم العيســـى ، كتابي (( المجمل في تاريخ البصــرة ))