فهمي المدرس .. المثقف والوطني الأصيل

هو محمد فهمي بن عبدالرحمن المدرس . ولد في بغداد سنة 1872م ، ونشأ في بيت علمي فأخذ بدايات العلوم على أبيه القاضي الشرعي في محكمة بغداد التجارية ، ثم واصل تحصيله فتتلمذ على مشاهير علماء بغداد منهم عبدالسلام الشواف ، ومحمد سعيد النقشبندي ، ومحمود شكري الآلوسي ، وغيرهم . درس الادب التركي والفارسي و تعلم الفرنسية على ( ريتشارد ) قنصل المانيا في بغداد مقابل أن يعلمه اللغة العربية ، ولما تهيأت له ثقافة واسعة عيّن سنة 1910م مترجماً لولاية بغداد ومعاوناً لمدير مطبعة الولاية ، و بعـدها بعام أصبح مديراً للمطبعة ورئيس تحرير جريدة ( الزوراء ) البغدادية بقسميها العربي والتركي . تأثر في المرحلة الاولى من شبابه بالحركة الإصلاحية التي بذر بذورها جمال الدين الأفغاني و تلاميـذه أمثال محمد عبده و نفي الى جزيرة رودس . ومن طريف ما يروى عنه هو ما ذكره الاستاذ خيري العمري في كتابه (( شخصيات عراقية )) حيث قال : (( توجه المدرس إلى الإستانه و في جيبه كتاب توصية إلى أبي الهدى الصيّادي ليستعين بنفوذه الواسع في الحصول على وظيفة ، و بعد أيام من وصوله إتجه إلى دار أبي الهدى ، وفيما هو في طريقه إليها إذا به أمام مظاهرات صاخبة تأثره تهتف في شوارع إستانبول ( يشاسون حديث . يشاسون عدالت . يشاسون قانون أساسي ) . وبسرعة تسللت يد المدرس إلى جيبه لتمزق كتاب الوصية ، وسرعان ما إنضم المدرس إلى تلك المظاهرات التي تردد الهتافات بحياة الدستور والحرية والعدالة ، واندمج في جو تلك المظاهرات فاعتلى أول منصة في الشارع ليخطب في الجماهير مندداً بحكم السلطان الطاغية وحياة الدستور )) .
حاضر في معاهد تركيا الفنية والثقافية فتولى منصب أستاذ الأدب العربي في جامعة الإستانة ، وفي هذه الفترة ألّف كتابين في اللغة التركية وهما ( تاريخ آداب اللغة العربية ) و ( حكمة التشريع الإسلامي ) ، كما نشر في أمهات المجلات التركية .
سافر سنة 1919م إلى أورو با و قضى فيها سنة و نصف ، عاد بعد ثورة 1920م الى العراق وكله أمل بخدمة بلده ، خاصة وأنه كان صديقاً للملك فيصل الأول ، فعيّنه كبير الامناء في بلاطه الذي لم يستمر فيه أكثر من سنة ثم فصل من وظيفته إرضاءاً للمندوب السامي وللانكليز الذين وجدوا في وجوده في هذه الوظيفة خطراً يعرقل مصالحهم ، فكانت هذه الضربة الاولى .
أما الضربة الثانية فكانت حينما أفشل ساطــع الحصري مشروعـه في تأسيس جامعـة عراقية باسم ( جامعة أهل البيت ) وأقنع نوري السعيد بذلك ، فقبر المشروع بحجة ضيق الميزانية .
أما الضربة الثالثة فكانت بعد حملته المعارضة لمعاهدة 1930م ، ومقالاته العنيفة ضد الملك فيصل ونوري السعيـد ، مما أدى إلى نفيه مع روفائيل بطي إلى السليمانية في شمال العراق . أعيد الى بغداد سنة 1932م بعد أن ساءت صحته وحالته النفسية ، إستقال من الحزب الوطني سنة 1934م ، وا بتعـد كلياً عن الساحة السياسية والثقافية ، عاد مرة ثانية الى الحياة السياسية بعد حركة مايس 1941م مسانداً للثــورة ورجالها ، و بعد فشل الحركة لزم داره مرة ثانية حتى و فاته سنة 1944م . كتب مئات المقالات في مختلف شؤون المعرفة ، وكانت بجملتها انموذجاً عالياً لفن المقالة بجميع أنواعها .

عــــــــلاء لازم العيســى