الرابطة الزوجية في العراق القـديم
عـلاء لازم العيسى
مما لا شك فيه عند الباحثين المنصفين ، ان العراقيين القدماء عرفوا وجود حكومة او سلطة تتولى التشريع ، فكانت هناك اصلاحات اوركاجينا ، وقانون اورنمو ، وقانون لبت عشتار ، ومسلّة حمورابي سادس ملوك سلالة بابل الاولى . كما انهم عرفـوا جملة عادات واعراف وتقاليد ساروا بمقتضاها واحتكموا بها . وعلى الرغم من بعض الانتقادات التي وجّهت لتلك القوانين كالقول بقسوتها في بعض الاحكام ، او عـدم التفات المشرّع الى بعض المسائل الابتلائية المهمة كمسائل البيع التي تطرّق اليها عرضا ، الا انها تبقى انضج قوانين مدوّنة مكتشفة لحد الآن لاسباب كثيرة لا يسع المجال لذكرها الآن .
وبما ان الزواج هو اساس العائلة ، التي كانت وما زالت هي اساس المجتمع ، فقد حرصت قوانينا القديمة على الاهتمام بالرابطة الزوجية ، وشروطها وآثارها ، وما يترتب على الاخلال بالتزاماتها من خسائر وتعويضات مادية ومعنوية .
يبدا الزواج في العراق القديم بالخطبة - كايامنا هذه – ، وهي تتم باتفاق بين الخطيب او والديه وبين والدي الخطيبة ، فاذا تم الاتفاق بين الطرفين اقيم الاحتفال ، حيث يقوم الرجل بصب العطور على راس خطيبته ، وبتقديم الماكولات للمحتفلين ، كما يقدم هدية الخطبة (( البيبلوم )) الى خطيبته ، فيوزع قسم منها على اسرة الفتاة – وهي من الاعراف التي لازالت مستمرة عند بعض المجتمعات الريفية والعشائرية في العراق - والقسم الآخر يعطى لاهل المراة لتغطية وليمة الزواج . وبهذا يكون قيام الخطبة ملزم للطرفين باتمام الزواج ، فلو حدث ان عدل والد الفتاة عن اتمام الزواج فانه يغرّم هدية الخطبة مضاعفا ، اما اذا كان العدول من الخاطب فانه يخسر هدية الخطبة ولا يحق له استردادها . وفي حالة كون العدول نتيجة وشاية صديق فيكون الحكم اكثر شدة ، حيث يلتزم والد الخطيبة بالاضافة الى رده هدية الخطبة مضاعفة – كما تقدم – بالامتناع عن تزويج ابنته من ذلك الصديق الواشي .
وبعد انتهاء الخطبة ياتي بعدها العقد ، وقد اشترط العراقيون القدماء شروطا لصحته ، منها : رضا اولياء الزوجين ، فلا يصح العقد الا برضاهما الا في حالات خاصة ، حيث يلجا الى رضا الابن عندما يكون الاب مصابا بخلل في عقله مثلا ، او ان تكون المراة مطلقة او ارملة ، فيحق لها حينئذ ان تختار زوجها بمحض ارادتها وتبرم عقد زواجها بنفسها بغض النظر عن رضا ولي امرها او عدم رضاه .
ومن شروط صحة العقـد ايضا تدوين عقد الزواج ، فلابد ان يفرغ التراضي بشكل تحريري لكي نكون امام عقـد شرعي ، والا فالزواج باطل . وهذا ما ذكره حمورابي في المادة ( 128 ) من قانونه حيث قال : (( اذا اتخذ رجل زوجة له ولم يدون عقدها فان هذه المراة ليست زوجة شرعية )) ، وجاء في المادة ( 28 ) من قانون اشنونا : (( اذا تزوج رجل امراة بدون سؤال ابيها وامها . ولم يقم وليمة ليلة الزفاف . ولم يكتب بذلك عقدا مختوما مع ابيها وامها . فلا تعتبر هذه المراة زوجة شرعية حتى لو عاشت في بيته سنة كاملة )) . ويجرى العقد في المعبد وامام الكهنة ، مقترنا بطقوس دينية معينة .
ان التاكيد على كتابة العقد عندهم له مبررات كثيرة ، فهو بالاضافة الى اضفائه صفة الشرعية على الزواج ، ويسهل اثباته لوجود توقيع الزوجين عليه ، فانه يحدد تاريخ الارتباط الفعلي بين الاثنين ، والهبات التي تصاحب الزواج ، والواجبات الملقاة على عاتق الزوج ، كما انه يحدد العقوبات التي تفرض على أي منهما في حالة الخيانة الزوجية .
اما الزواج باكثر من واحدة فان الاساس في العراق القديم ان الرجل لا يحق له الزواج باكثر من امراة وتسمى (( اشات اويلم )) ، الا انه – ولحالات استثنائية - يسمح للمتزوج ان يقترن باكثر من واحدة ، واهم تلك الحالات : نظام التسري بجارية بقصد الحصول على الاطفال نيابة عن الزوجة العاقـر ، او زواج الاخ المتزوج من ارملة اخيه ، وزواج الرجل بثانية عندما تكون الزوجة الاولى سيئة السلوك . وفي جميع تلك الحالات لا تصل ( الزوجة الثانية ) الى مكانة ( الزوجة الاولى ) بل تبقى ادنى درجة منها ، ومن واجباتها ان تغسل اقـدام الزوجة الاولى كدليل على احترامها لها !! .
ان لعقد الزواج التام - وهو الزواج الذي تنتقل فيه المراة الى بيت زوجها وتتم الدخلة - عند اسلافنا التزامات اخلاقـية وقانونية يجب التقيد بها من قـبل الزوجين . فالزوجة ملزمة باطاعة الزوج ، والاهتمام بشؤون البيت ، ومسؤولة عن كل الديون التي تترتب بذمة زوجها بعد الزواج ، وكذلك الديون التي ترتبت بذمته قـبل الزواج ، الا اذا اشترطت في العقد بعدم مسؤوليتها عن ديون ما قبل الزواج . كما ان عليها المحافظة على عفتها ، وان لا تدخل بيت رجل آخر في غيبته ، وتعاقب بالموت اذا قبض عليها متلبسة بجريمة الزنا ، كما ان الحرّة ربما تحرم من حريتها ( أي تحول الى رق ) اذا اساءت الى سمعة زوجها ، او حطّت من شانه ولو بكثرة خروجها من البيت بدون اذنه ، وعندذلك يطلق عليها (( امتـو )) وهي الكلمة التي تطلق على المراة من فئة الرقيق .
وكذلك الزوج – وان منحه القانون العراقي القديم سلطات واسعة على زوجته - فقد فـرض عليه بعض الالتزامات لصالحها كوجوب الانفاق عليها ، ورعاية شؤونها ، فلو اخل بشرط رعايتها فيمكن حينذاك ان يفسخ العقد وتعطى لزوج آخر . وعدم قدرته على طلاقها عند اصابتها بمرض خطير ، بل عليه ان يبقيها في بيته ، ويتحمل مسؤولية اعالتها ما دامت على قيد الحياة ، الا اذا رفضت البقاء معه فلها الحق في طلاق نفسها واستعادة هدية زواجها (( الشيرقتـوم )) وهي مجموعة الاموال التي يهبها الوالد الى ابنته عند زواجها تعجيلا لحصتها من الارث الذي كان قاصرا على البنين دون البنات .