محطــــات في تاريخ البصـــرة

في كل مكان نزوره من البصرة نشم رائحة التاريخ ؛ في ازقتها ، ومساجدها ، واسواقها ، وانهارها ، وبساتينها ، وحتى في خرائبها ، فكثيرا ما احتفظت ذاكرة الخرائب بقصص واحداث ومغامرات مثيرة للاهتمام . وقـد حاولت في الاسطر الآتية ان اذكر بعض التواريخ التي تركت اثرا تراثيا او علميا او اقتصاديا في المدينة ، متوخيا الجمع بين لذة القـراءة ، وطرافة الخبر ، وصحة النقل .

الجريـدة الاولى

لا يختلف اثنان في ان البصرة هي مدرسة اللغة الاولى ، ومربد الشعر ، وعن حلقاتها نقل الرواة ، لذا يحق لها ان تفتخر باول جريدة ولدت فيها ، والتي تعد الجريدة الثالثة في العراق ، واولى جرائد الخليج العربي .
صدر العدد الاول من جريدة ( بصرة ) وهي جريدة الولاية الرسمية ، في سنة 1889م زمن الوالي هدايت باشا ، وكانت اسبوعية تنشر في كل يوم خميس باللغتين العربية والتركية ، وبعد صدور العدد الاول غيّر موعد اصدارها ، وصارت تنشر في كل يوم احد من كل اسبوع ، راس تحريرها رفعتلو محمد علي افندي باش كاتب السنية . اتخذت الجريدة ادارتها في محلة السيف ، وكانت تطبع في مطبعة الولاية . حجبت الجريدة عن الصدور في 22 تشرين الثاني سنة 1914م بعد احتلال الانكليز للبصرة .

احصاء نفـوس البصرة

ارتبط تاسيس دوائر النفـوس ( الاحوال المدنية او الشخصية ) في العراق باسم الوالي العثماني المشهور مدحت باشا ، وكانت تشمل تسجيل المواليد والوفيات ، والمعلومات التي تخص الزواج والطلاق ، ومحل السكن وتاريخ الميلاد ، وقـد شرع بتسجيل نفوس اهالي بغداد اولا ، وبعد ذلك سجلت نفوس بقية الولايات الاخرى .
اما في البصرة فقـد باشرت البلدية بتسجيل نفوس اهلها سنة ( 1871م ) وكانت التقديرات التخمينية لنفوسها – كما جاء في جريـدة الزوراء البغدادية – تقـدر بثمانية او عشرة آلاف فـرد ، وسجل احصاء سنة ( 1923م ) مائتي الف نسمة ، وكان احصاء سنة ( 1941م ) قد سجّل ان نفوس لواء البصرة 407451 نسمة منهم 11900 يهودي ، و8800 مسيحي ، و44 هندوسي ، و13 سيكي ، و1852 صابئي . وفي التعداد الذي جرى سنة ( 1965م ) فقد سجّل 673623 نسمة .

كـري شـط العشّار

كان شط العشّار في يوم من الايام المورد الوحيد لشرب اهالي المنطقة المحيطة به ، والواسطة لذهاب ومجئ مائتي زورق وسفينة لنقل الاهالي بين مدينة البصرة وقصبة العشّار ، وللتجارة . فلما وصل ماءه لحالة لا يصلح للشرب ، وكادت ان تسقط قابلية سير السفن فيه نتيجة لتراكم الغرين ، قامت البلدية سنة ( 1876م ) زمن والي البصرة عبدالله باشا ، وبعهد رئيس البلدية محمد افندي الياسين ، بتطهير الشط المذكور لاول مرّة .
وفي سنة ( 1909م ) وبعهد وكيل الوالي راقم افندي طهّـر الشط مرة ثانية ، وقد شكّلت لجنة لهذا الغرض ، على الوجه الآتي : الناظر السيد هاشم النقيب ، الرئيس محمود باشا ، الاعضاء : عبدالمحسن باشا رئيس البلدية ، عبدالوهاب القـرطاس ، الحاج طه جلبي ، وعبدالسيد جلبي . وقد انجزت العملية بفترة لا تتجاوز ثلاثة اشهـر ، واحتفل الاهالي يوم افتتاحه للملاحة بعد عملية تطهيره احتفالا عظيما . ذكرت جريدة (( بصرة )) العدد 531 ، الصادرة في 24 ذي الحجة سنة 1327هـ ، ما نصه : (( فتح يوم السبت الماضي نهر العشّار الذي كان مسدودا منذ ايام لاجل التطهـير ، وكان حاضرا اذذاك جم غفير من الاهالي ، والموسيقى البحرية صدحت بنغماتها المطربة ، واعتبارا من يوم الفتح اخذت القوارب والزوارق تاتي وتذهب في النهر على عادتها السابقة )) .

جادة الرشاديـة

قبل مائة سنة ، وبالضبط في سنة ( 1909م ) ، كان مركز ولاية البصرة يتكون من قصبتي البصرة والعشّار وان مدينة البصرة هي مركز الولاية ومؤسساتها الرسمية ، اما العشار فانها قصبة ملحقة بها ولا تعدوا محلة من محلات المركز . الا ان توسع القصبة المستمر ولتعذر وجود مسلك يوصلها بمركز الولاية ، سوى نهر العشار وبعض الطرق الضيقة التي تمتد بين بساتين النخيل ، فقد تقرر ايجاد ( جادة ) طريق يمتد من الضفة الغربية لشط العرب ، حتى يصل الى باب الزبير الواقع غرب البصرة عند مدخلها الصحراوي ، مستقيما وخاليا من من المنعطفات .
وقـد تم شق هـذا الطريق زمن الوالي سليمان نظيف ورئيس البلدية عبدالمحسن باشا الزهير . وكان ذلك على مرحلتين : المرحلة الاولى ، وهي ربط العشار بمنتصف المسافة ، بعدها انجز الجزء المتبقي كمرحلة ثانية ، وبلّط الطريق بالحجر الصلب ، واطلق عليه الجادة الرشادية تيمّنا باسم السلطان محمد رشاد الخامس .
ومما يذكر انه بعد اكمال المرحلة الاولى اهدى احمد باشا الزهير عشرة مصابيح الكتركية ( لوكسات ) الى دائرة بلدية البصرة لايقادها في اماكن مناسبة من الجادة المذكورة ، مع برقية الى رئاسة البلدية هذا نصها : (( الى عبدالمحسن باشا رئيس بلدية البصرة : قد استوجب الممنونية جدا ما ابرزه حضرة والي بك افندي من التشبثات في حق طريق العشار التي هي اعظم اثر لخدمة العمران الا انها لا تستكثر نسبة الى فعاليته المطلو بة والمامولة فلاجل تنو يــر هذا الطريق مادة كما تنور بالاعمار معنى قدمنا صحبة باخرة الروس عشرة مصابيح الكتريك ( لوكس ) وتشكرات العموم الى حضرة والي بك افندي )) .
فارسل له سليمان نظيف الجــــواب وهذه صــــورته :
(( الى الاستانة : الى حضرة احمد باشا آل زهير مبعوث البصرة المحترم ، كما ان ذا وطنكم رسما فانتم ايضا خلقا واخلاقا نخبته وصفوته وقد برهنت هداياكم المنورة الى دائرة البلدية على التفات المشوق فاشكر عنايتكم العلية باسم الولاية )) .

عــــــــــلاء لازم العيسى