أختلف المؤرخـون والبلدانيــــون في سنة نزول عتبه بن غزوان البصــرة : فبينما رأى بعضهم أنه نزلها سنة 14 هـ / 635 م ، رأى غيرهم أنه نزلها سنة 15 ، و قيل 16 أو 17 هـ . ويتبين من النصوص التأريخية أن عتبة بن غزوان لم يكن المبعوث الأول إلى البصرة ، بل سبقه صحابي يسمى شــريـح ، فقــد روى خليفة بن خيّــاط في تأريخه أن الخليفة الثاني عمــر بعث في سنة أربـــع عشرة شريــح بن عامــر أحــد بني سعــد إلى البصـــرة ، و قال : (( كــن رد ئــاً للمسلميـــن )) .
أما عن موقــع البصــرة القديمــة فقــد إختــار عتبة لمقامــه الأول ( الخـريبــة ) بضم الخـــاء و فتح الراء ، وهي منتحية إلى طــرف الصحــراء فمو قعها أكثـــر أمانــاً للمقاتلة ، ثم تحـــول إلى منــزل أو منــزلين قبل أن يختار الرقعـــة التي بنيت عليها البصرة حــول المسجــد الجامــع في الجهة الجنوبية الغربية من البصرة الحالية ، والتي تنتهي إلى خلف قصبة الزبيــر بمسافة ثلاثة كيلو مترات تقريباً ، قال الدينـــوري في الأخبار الطــوال : (( فسار عتبة بن غزوان حتى أتــى مكان البصرة اليــوم ولم تكــن هناك يومئـــذ إلا الخريبة ، وكانت منازل خربة ، و بها مسالح لكســـرى تمنــع العــرب من العبث في تلك الناحية ؛ فنزلها عتبة بن غزوان بأصحابه في الأخبية والقباب ، ثم سار حتى نزل موضـــع البصرة وهي إذ ذاك حجارة ســود وحصى وبذلك سميت البصرة ، ثم سار حتى أتى الأبلـــة فافتتحها عنـــوة )) .
وعن تخطيـــط البصرة الأولى فان أول عمارة شيّــدت فيها هي المسجــد الجامــع باعتباره نـــواة المدينه وقــد بني بالقصب ، وقد تولى إختطاطه عتبة بن غزوان بيــده ، وقيل إختطــه محجن ابن الأدرع السلمـــي ، وقيل بل إختطــه الأســود بن سريـــع التميمي وهــو أول من قــصّ فيه . أمــا أول من حضــر هــذا المسجـــد من الخلفاء والحكـّام فهو الأمام علي بن أبي طالب ( ع ) عنــد وقعـــة الجمل سنة 36هـ كما ذكــر الدينوري وغيـــره .
و قد سميت البصرة بعدة أسماء قبل الفتح الإسلامي فهي ( د يــريــدو تس ) و تعني باليو نانية باب المياه ، و ( طريــدو ن ) المد ينة القديمة التي يعتقد أن نبوخذ نصــر كان قد أنشــأها قرب جبل سنام على الضفة العربية للنهر القديم المعروف بـ ((كــري سعــده )) .
لقد جاء في مدح البصرة ، وكذلك في ذمها الشئ الكثير ، ربما كان للسياسة ، او النعرات المذهبية ، او التنافس بين الكــو فة والبصرة دخل في بعــضه . قال شعيب بن صخـر : تذاكروا عند زياد البصرة والكــو فة فقال زياد : لو ضلّت البصرة لجعلت الكــو فة لمن د لني عليها ؛ و قال الأصمعي : سمعت الرشيد يقول : نظرنا فإذا كل ذهب وفضة على وجه الأرض لا يبلغ ثمن نخل البصرة ؛ وكان ابن أبي ليلى يقول : ما رأيت بلدا أبكر إلى ذكر الله من أهل البصرة ؛ وفي (( العقد الفريد )) لابن عبد ربه ، قال : (( قال ابن عيّاش الهمداني لابي بكر الهذلي عن ابي العباس ، وذكرت عنده الكــو فة والبصرة ، فقال : انما مثل الكوفة مثل اللهاة من البدن ياتيها الماء ببرده وعذوبته ، ومثل البصرة مثل المثانة ياتيها الماء بعد تغير و فساد . و قال الحجاج : الكو فة بكر حسناء ، والبصرة عجــوز بخراء ، اوتيت من كل حلي وزينة . و قال جعفـر بن سليمان : العراق عين الدنيا ، والبصرة عين العراق ، والمربد عين البصرة ، وداري عين المربد ، و قال حذيفة : اهل البصرة لا يفتحون باب هدى ، ولا يغلقون باب ضلالة . و قـد رفع الطاعون عن جميع اهل الارض الا عن اهل البصرة )) .