إبن عبدكه .. شقي من طراز خاص

لم يكن من حملة الشهادات العليا .. أو مؤسساً لحزب من الأحزاب الموجودة آنذاك ، لكنه إشتهر شهرة كبيرة منذ أواخر العهد التركي إلى يومنا هـذا ، وذكره أكثر من كاتب و باحث ، فمن هــو أبراهيم عبـدكه ؟
أنه إبراهيم بن حسن أبن عبدكه ، من قرية ذيابه القريبة من ( شهـربان ) في محافظة ديالى ، ولد لأسرة متوسطة الحال تسكن بيتاً طينياً و تعيش على بستان صغير ، متكو نة من ثمانية اشخاص ، الاب والام وأسمها ( سرية ) و ثلاثة أولاد هم ( عبد و كاظم و ابراهيم ) و ثلاث بنات هن ( مريم و حليمة و جسومة ) وهم من عشيرة السمرلية الفيلية ، وانتقلت العائلة الى بغداد في منطقة باب الشيخ والتي كانت غالبية سكانها من الكورد الفيليين. كان ابراهيم انساناً وديعاً مسالماً شاءت الاقدار ان تحوله رغماً عنه الى مجرم ومقاتل عنيد وطريد للدم والعدالة لسنوات طــوال ، و تبـدأ القصة بمقتل والده . عندما أقدم أحد سكان القرية المجاورة على إغتيال والده على أثر نزاع بسيط حصل بينهما ، فاستفز حمية ولده الشاب إلى طلب الإنتقام وقد شاركه في الأمر إبن أخته وأخوه فقتلوا اربعة من أقرباء القاتل بالإضافة إلى قتل القاتل نفسه . فأصبح منذ ذلك الحين شقياً خارجاً على القانون ، وحاولت الحكومة العثمانية القاء القبض عليه إلا أنها عجزت ، وشاع الخبر فاصبح ابن عبدكة مضرباً للأمثال .
لقد كان ابن عبدكه بشهادة الجميع لا يعتدي على ضعيف أو فقير أو عاجز أو صبي أو إمرأة ، وكان يمتلك من الوطنية الشئ الكثير ، فعندما بلغه أمر الثورة المسلحة ضد الإحتلال البريطاني في أنحاء العراق سنة 1920م ، تقـدّم من تلقاء نفسه الى بعـقو بة ترافقه مجموعته وأمطروها بوابل من الرصاص قبل أن تدخلها العشائر ، مما أدى إلى هـرب الإنكليز ، مما سهل دخول العشائر . ثم شارك أهالي شهربان في هجومهم على القشلة ، وعندما إستعاد الانكليز مدينة بعـقــو بة ومدينة شهربان ودلتاوة ، ظل هو وجماعته يقاومــون في منطقة خرنابات ، فلما علم الانكليز بوجوده في هذه المنطقة وجهــوا قوة كبيرة الى خرنابات يرافقهم مدفـــع ، و بعد أن قصفوا المنطقة بالمدفعية دخلوا واعتقلوا أكثر من ثلثمائة شاباً من شبابهم ، ولما لم يجدوا ابن عبدكه بينهم لهــرو به في اللحظة الأخيرة أطلقوا سراحهم ، أما هــو فقد لجـأ عند أحد شيوخ المحاو يل .
و بقيت الحكومة تنصب الكمائن له ، و تبث الجــواسيس ، حتى ألقي القبض عليه في حزيران سنة 1921م . وسيق إلى المحكمة وحكم عليه بالاعـدام شنقاً حتى المــوت لقتله موظفاً حكومياً إسمه نجم بن زهو العــزاوي، وكانت المحكمة برئاسة حاكم بريطاني إسمه ( مستر ودمن ) وعضوية حاكمين عراقيين هما عبدالمجيد أفندي الياسين و يعــقوب سو يـده أفندي ، و قد توكل عن إبن عبدكه المحامي معـروف علي أصغـر الذي عرف فيما بعد باسم (( معـروف جياووك )) . وكان سليمان فيضي الموصلي ورشيد عالي الكيلاني عضوين في محكمة التمييز التي نظرت في قضية إبن عبدكة إلا أنهما عارضا حكم الاعدام ولم يصادقا عليه .
وقبل تنفيذ الحكم تدخل الملك فيصل الأول ، بتأثير من رجلين هما الشيخ مهدي الخالصي والسيد محمد الصدر ، فالاول أرسل رسالة الى الملك أشار فيها إلى الخدمات الجليلة التي قدمها أبن عبدكه ، والثاني وهو السيد الصدر ذهب بنفسه لمقابلة الملك وطلب منه مساعدة ابن عبدكه . وخفف الحكم فمكث في السجن حتى عام 1936م . ولما خرج من السجن عطفت عليه الحكومة وعينته مراقباً للآثار في بابل وسكن الحلة بقية حياته . وفي مساء 5 / 9 / 19454م بينما كان ابن عبدكه يمشي في بعض أزقة الحلة وهو يتحامل على نفسه لإصابته بالشلل النصفي ، أطلق عليه النار رجل وأرداه قتيلاً ، وتبين أن القاتل هو سهيل إبن نجم العزاوي الذي كان ابن عبدكه قد قتل والده نجم العزاوي قبل ستة عشر عاماً .

عــــــلاء لازم العيسـى